الكلب الوفي

عدت لاجازة العيد في قريتي بالصعيد .. مشيت في شوارع قري كثيرة وتذكرت فترة الطفولة .. لا اعلم تحديدا لماذا تذكرت هذا الحدث او قررت اكتبه .. ولكنى اعتقد انها من مشاهدتي حوادث القتل المفرطه للحيوانات فى الفترة الاخيرة ..

 

كنت امر من هذا الشارع كثيرا .. لذلك كنت اري ذاك الكلب كثير النباح الذي يقف متأهبا منذ دخولى الشارع حتي يتأكد مني وينظر الى وجهي وانا انظر في عينيه فيعود جالسا كانه يعرفني... ويخفض نباحه كاننى حدثته قولت له "انا من مش غريب " .. وكانه يرد ويقول "انى احمي هذه المنطقة واحميكم مر بسلام .. لاتقلق" ..


ابتسم دائما عندما اراه .. كنت اعتقد ان بيننا علاقة تواصل من نوع شعوري .. فهو يرانى من بعيد يقترب منى ويهز ذيله بحماسه ويريد ان يلعق يدي او اصابعي وللحظ السيء كنت اعتقد ان من المسموح لى اللعب على شعر راسه فقط فارفع يدي لاصده ... اعتقد ان مشاعري تجاهه كانها جزء من مشاعرنا بالمخلوقات الاخري التي جمعنا الله بها ف هذا الكوكب الصغير ..


مرت الكثير من ايام الطفولة وهذا الشعور المتبادل يزداد ذات يوم اثناء الصغر وانا امر بذلك الشارع واقترب من شارعه سمعت صوته ينبح بقوة مستنجدا ومهاجما وباكيا في نفس الوقت .. نعم هذا شعوري بنباحه الذي فهمته .. هرولت مسرعا لاعرف ان بعض اطفال الشارع اذ اخترعو فكرة قد عرضها عليهم طفل صغير ولكنه شرير بعض الشيء ..بان يحملو الطوب و الظلط ويضربوه به وبشكل جاد و هجومي و ويصبح لعبتهم المثيرة .. ان يؤلمو الكلب فيجري خلفهم .. وقتها يهرولو مسرعين بالفرار ولكن لن يأذيهم فهو يعلم انهم جميعا اطفال . .


بدت الخطة وقتها انها شيقه لهم .. وبدؤا ف التنفيذ واذ بالكلب يركض خلف الطفل الشرير فيضيق عليه الخناق فى مدخل منزل فيصرخ الطفل ويبكي .. ويتركه الكلب و يعود مسرعا لوضع الددفاع مرة اخري متأهبا لهجومهم عليه وكانه يحذرهم جميعا .. واحس به يقول لنفسه بعصبيه .. " انا كلب خلقني الله هكذا وسادافع عن نفسي ولكنكم اطفال من رباكم هكذا؟" ...


علمت يومها انها ليست المره الاولى ولكنها ضمن عشرات المرات والكلب يتحملهم ويلهث و يصيح لعل راشد من اهلهم يوعيهم او يرشدهم .. ولكن على عكس ما اراد فاهل الشارع قد ضاقو ذرعا بنباحه و جريه خلف الاطفال وفي تلك الايام اصدرت سيدة وقتها اشاعه "اوعي يكون الكلب اتسعر و يعض عيل يموته" ..


جن جنون بعض قليلي العقل وتركو افعال ابناءهم و اعدو العدة وتوعدوا للتخلص من هذا الكلب المسكين لحماية اطفالهم الشياطين .. خرج رجل بعصا غليظة جدا واعتقد انها شومه .. وقد احضر بعض بقايا الطعام والقاهم بشماله، والكلب الوفي يعود فياكل ، و غدر الانسان القوي بعضلاته ، وبشومته بضربة مركزة وموجهة و قوية لدرجة اني تخيلت ان رأس الكلب ستنقسم مثل البطيخه ويتناثر علينا قطع من مخه ..


ولكن للاسف كانت الضربة اضعف من ان تكسر عظام جمجمة الكلب العنيدة .. ولكنها كانت كفيلة باخراجه من مزاج الاكل والجوع الى مزاج الموت القريب والدوخة والنباح بصوت متقطع والوقوف والقفز واللف بدوائر ..

واثناء ذلك يستعد الرجل الاهوج ويرفع شومته ويهرول يمينا ويسارا خوفا من دفاع الكلب عن نفسه و يخبطه خبطة على انفه فتطرحه ارضا و يتفسخ فكيه من مكانهما و يختفي صوته و يظهر صوت الانين الاخير حتي يصمت .. و ينهي حياته بثلاث ضربات كانت كافيه بتكسير جمجمته و توقف حركته ...


وقف الرجل متفاخرا بانهاء مهمته وانقاذ الاطفال والكبار .. سامحه الله ..ثم جره من ذيله والقاه فى ترعة صغيرة .. بينما يشاهد ذلك الطفل الشرير الصغير المكير .. الذي زرع فكرة في أدمغة اطفال اخرين قتلو كلبا وفيا هم يرونه كلب بلاقيمة..

 

هكذا هم الفارغون من الداخل لا يعطون لخلق الله قدرا ، مهما صغر او كبر الا حسب قوته او سلطته او ماله ...

 

الاهل والجيران لم يصلهم فكرة ان الكلب يستحق الدفاع عن نفسه او ان له حرية الحياة على الارض وكأن الله خلق لهم الكوكب متفردين ..


وذلك ببساطه لزيادة نسبة الفقر والامية بينهم.. كل مايهمهم هو لقمة العيش ولنذهب اينما تذهب ...


الاطفال هما نتاج ثقافة الاباء والمجتمع .. تربيتهم وغرس المباديء والقيم والاخلاق ضرورة اساسية ..
التكافل و حب الغير شعور مزعج عندما تحاربه النفس البشرية الشريره .. ولكن يمكن السيطرة عليها بالقراءة و الاستماع للفقراء والمشردين والمسنين ..

 

 

هل الطفل هو المذنب اما السيدة صاحبة الاشاعة ام الرجل القاتل ام جميع اهل الشارع الساكتين ... الاجابة كما قال دكتور مصطفي محمود كلنا مذنبون كلا فى دائرته..

 

تعسا و ندما و حسرة على طفولتى الهادئة .. التى كنت انقذت فيها ذلك الوفي ..
رحمة الله عليك وعلى جميع المخلوقات .. ولكن حالنا هل يرحم؟ ..

 

Top of Form

 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحبها يا رأفت

عشاق المترو

المشاعر ونظرية التطور